فيلم البريء

سنة الإنتاج: 1986
عدد الأجزاء: 1
المدة: 135 دقيقة
الجودة: متوفر بجودة جيدة
البلد: مصر
الحالة: مكتمل
اللغة: العربية
أحمد زكي، محمود عبد العزيز، صلاح قابيل، ممدوح وافي، هالة فؤاد، جمال إسماعيل، حسن حسني، ناهد سمير، عبد العظيم عبد الحق، مصطفى متولي، أحمد راتب، محمد رضا، وفاء سالم.
الإخراج: عاطف الطيب
الإنتاج: وحيد حامد، مدحت الشريف
التأليف: وحيد حامد
فيلم البريء: أيقونة السينما المصرية وصرخة الضمير
الظلم والضمير في تحفة عاطف الطيب الخالدة
يُعد فيلم “البريء” الذي صدر عام 1986، نقطة تحول مفصلية في تاريخ السينما المصرية والعربية، مقدماً تجربة سينمائية عميقة ومؤثرة لا تزال تتردد أصداؤها حتى اليوم. من إخراج المبدع عاطف الطيب وتأليف الكاتب الكبير وحيد حامد، وبطولة النجمين الخالدين أحمد زكي ومحمود عبد العزيز، يغوص الفيلم في أعماق النفس البشرية ويكشف عن خطورة التضليل الفكري والاستغلال السياسي. إنه ليس مجرد فيلم درامي، بل هو صرخة احتجاج فنية ضد القمع وتغييب العقل، وقصة عن الصراع الأبدي بين الولاء الأعمى والضمير الحي. العمل يجسد ببراعة مدى هشاشة القيم الإنسانية أمام السلطة المطلقة، وكيف يمكن للخطاب الواحد أن يصنع جلاداً من ضحية محتملة.
قصة العمل الفني: صرخة الضمير في مواجهة التضليل
تدور أحداث فيلم “البريء” حول شخصية “أحمد سبع الليل” (أحمد زكي)، شاب قروي أمي ذو مبادئ وطنية راسخة وبراءة فطرية، يلتحق بالخدمة العسكرية. يتم إخضاعه لبرنامج غسل مخ مكثف، حيث يُلقن شعارات وطنية زائفة ويُشحن بالكراهية ضد “أعداء الوطن” المجهولين، ويُغرس فيه الاعتقاد بأن كل من يختلف في الرأي هو عدو يستحق القمع. يتحول أحمد ببطء إلى آلة طيعة ومنفذة للأوامر دون أدنى تفكير، مقتنعاً بأنه يخدم وطنه بكل إخلاص. هذه البراءة المضللة تجعله أداة مثالية في يد النظام لقمع المعارضة.
يتم تعيين أحمد حارساً في أحد معسكرات الاعتقال السرية المخصصة للمفكرين والسياسيين المعارضين. هناك، يصطدم أحمد بوجود أستاذه الجامعي السابق الذي يكن له كل الاحترام والتقدير، “الدكتور حسين” (محمود عبد العزيز)، ضمن المعتقلين. هذا المشهد يهز كيان أحمد، ويدفعه إلى إعادة تقييم كل ما آمن به. يبدأ في مشاهدة أستاذه وهو يتعرض للتعذيب والتحقيق، ويتذكر كلماته عن الحرية والعدل. تتصارع في داخله قناعاته الجديدة التي تلقاها في المعسكر مع ذكرياته وقيمه القديمة، ليقع في دوامة من التساؤلات المؤلمة حول مفهوم الوطن، العدو، والبراءة الحقيقية.
تتصاعد الأحداث مع كشف الفيلم لواقع المعتقل القاسي، ووحشية القمع التي يمارسها المسؤولون. يحاول أحمد في البداية الدفاع عن النظام الذي يمثله، لكن المواجهة المستمرة مع أستاذه وغيره من المعتقلين، بالإضافة إلى بشاعة ما يراه، تجعله يدرك حجم الخديعة والتضليل. تتجلى لحظة التنوير عندما يرى أستاذه في أقصى حالات ضعفه وإهانته، فيثور ضميره ويقرر التمرد على الأوامر والانتقام ممن استغل براءته ودمرها. ينتهي الفيلم بنهاية مأساوية تعكس حجم التضحية التي يمكن أن يقدمها الإنسان في سبيل استرداد حريته وكرامته المفقودة.
أبطال العمل الفني: عمالقة أثروا الشاشة
قدم طاقم عمل فيلم “البريء” أداءً استثنائياً، حيث اجتمع نخبة من ألمع نجوم السينما المصرية ليقدموا واحداً من أهم الأفلام في تاريخها. تميز الأداء بالصدق والعمق، مما جعل الشخصيات خالدة في الأذهان. كانت الكيمياء بين أبطال العمل واضحة، ما أسهم في إبراز الصراع الدرامي بكل قوته.
طاقم التمثيل الرئيسي
أحمد زكي في دور “أحمد سبع الليل” قدم واحداً من أروع أدواره، مجسداً ببراعة رحلة التحول من البراءة المطلقة إلى الإدراك المؤلم، ومن الطاعة العمياء إلى التمرد. كان أداؤه علامة فارقة في تاريخ التمثيل العربي. محمود عبد العزيز في دور “الدكتور حسين” أبدع في تجسيد شخصية المفكر المقهور الذي يمثل صوت الضمير والعقل، وقدم أداءً مؤثراً يلامس الوجدان. صلاح قابيل في دور “الضابط توفيق” أتقن دور الضابط الشرير المضلل الذي يمثل قمة القمع والاستبداد. بالإضافة إلى ممدوح وافي، هالة فؤاد، جمال إسماعيل، حسن حسني، وغيرهم من الممثلين القديرين الذين أضافوا ثقلاً وقوة للعمل بأدوارهم المتكاملة التي شكلت نسيجاً درامياً غنياً.
فريق الإخراج والتأليف والإنتاج
الفيلم من إخراج المخرج الكبير عاطف الطيب، الذي عرف بأفلامه الواقعية والجريئة التي تناولت قضايا المجتمع المصري بصدق وشجاعة. أظهر الطيب في “البريء” قدرة استثنائية على إدارة الممثلين وتقديم رؤية سينمائية قوية ومؤثرة. أما التأليف، فكان بقلم الكاتب القدير وحيد حامد، الذي اشتهر بقدرته على صياغة قضايا سياسية واجتماعية معقدة في نصوص درامية مشوقة وعميقة. سيناريو “البريء” يعتبر من روائع السيناريو العربي، لما فيه من حوارات قوية وشخصيات متعددة الأبعاد. شارك وحيد حامد أيضاً في الإنتاج مع مدحت الشريف، مما يؤكد على الإيمان التام بالمشروع الفني وقيمته.
تقييمات ومنصات التقييم العالمية والمحلية
حظي فيلم “البريء” بتقييمات استثنائية على الصعيدين المحلي والعالمي، مما يعكس مكانته كأحد أبرز الأفلام في تاريخ السينما المصرية. على منصات التقييم العالمية مثل IMDb، يحمل الفيلم تقييماً مرتفعاً جداً يبلغ 8.3 من 10، بناءً على آلاف الأصوات، وهو ما يعتبر تقييماً ممتازاً ويعكس إجماعاً على جودته الفنية وتأثيره العميق. هذا التقييم يضعه ضمن قائمة الأفلام العربية الأعلى تقييماً على المنصة، ويشير إلى قدرته على تجاوز الحواجز الثقافية والوصول إلى جمهور عالمي يقدر السينما الجادة والقصص المؤثرة.
على الصعيد المحلي والعربي، يُعتبر “البريء” تحفة سينمائية لا جدال فيها، ويُدرج بانتظام ضمن قوائم أفضل الأفلام المصرية على الإطلاق. المنتديات الفنية، المدونات المتخصصة، والمواقع الإخبارية الفنية في المنطقة العربية تحتفي بالفيلم بصفته عملاً جريئاً ومهماً تناول قضايا حساسة بشجاعة فنية غير مسبوقة. تأثيره لم يقتصر على النقاد فقط، بل امتد ليشمل الأجيال المتعاقبة من المشاهدين، الذين لا يزالون يجدون في قصته صدى لواقعهم وتحديات مجتمعاتهم. يُظهر هذا التقدير الواسع أن الفيلم لم يكن مجرد نجاح فني عابر، بل أصبح جزءاً لا يتجزأ من الوعي الثقافي والسينمائي للمنطقة.
آراء النقاد: شهادة على فيلم سبق عصره
تلقى فيلم “البريء” إشادات نقدية واسعة، واعتبره العديد من النقاد عملاً فنياً جريئاً سبق عصره في طرح القضايا السياسية والاجتماعية. أشاد النقاد بالسيناريو المحكم لوحيد حامد الذي نجح في بناء دراما متصاعدة وشخصيات عميقة، وبالحوارات القوية التي بقيت محفورة في الذاكرة. كما أثنوا على الإخراج المتميز لعاطف الطيب الذي قدم رؤية بصرية مؤثرة واستطاع أن يلتقط التفاصيل الدقيقة التي تعكس الواقع الأليم لمعسكرات الاعتقال ونفسية الجنود المعذبين. تميز الفيلم أيضاً بقدرته على تقديم رموز وإشارات ذات دلالات عميقة، مما أضاف إليه بعداً فلسفياً وسياسياً غنياً.
كان الأداء التمثيلي محور إشادة غالبية النقاد، خاصة أداء أحمد زكي ومحمود عبد العزيز، حيث رأى الكثيرون أنهما قدما قمة أدوارهما في هذا الفيلم. قدر النقاد الشجاعة الفنية التي تجلى بها الفيلم في انتقاد الأنظمة القمعية والتسلطية، وتسليط الضوء على خطر التضليل الفكري وتأثيره على الأفراد والمجتمعات. على الرغم من أن الفيلم تعرض للرقابة والتعديلات في بعض المشاهد عند عرضه الأول، إلا أن رسالته الأساسية ظلت قوية ومؤثرة. أجمع النقاد على أن “البريء” ليس مجرد فيلم، بل هو وثيقة تاريخية وفنية تعكس فترة حساسة من تاريخ مصر والمنطقة، وتظل رسائله ذات صلة حتى اليوم.
آراء الجمهور: تفاعل يتجاوز الأجيال
لاقى فيلم “البريء” تفاعلاً جماهيرياً هائلاً منذ عرضه الأول، واستمر في جذب الأجيال الجديدة من المشاهدين بفضل قصته القوية وأدائه التمثيلي الخالد. شعر الجمهور بالفيلم عميقاً وواقعياً، ووجد فيه انعكاساً لمخاوفهم وتساؤلاتهم حول الظلم والاستبداد. تعاطف الجمهور بشكل كبير مع شخصية أحمد سبع الليل، التي تمثل براءة الإنسان البسيط الذي يتم استغلاله وتضليله، ومع شخصية الدكتور حسين التي تجسد صمود الفكر والضمير أمام القمع.
تفاعل المشاهدون مع اللحظات الدرامية المؤثرة، وخاصة المشاهد التي تكشف عن تحول أحمد من جندي مطيع إلى ثائر على الظلم. كثيرون يعتبرون الفيلم مرجعاً سينمائياً للتعبير عن القضايا السياسية والاجتماعية، ويستشهدون به في النقاشات حول حرية التعبير والعدالة الاجتماعية. تعليقات الجمهور على وسائل التواصل الاجتماعي والمنتديات الفنية تظهر كيف لا يزال الفيلم يحرك المشاعر ويثير التفكير، مما يؤكد على تأثيره الدائم وقدرته على البقاء حاضراً في الوعي الجمعي كرمز للصمود والبحث عن الحقيقة.
إرث أبطال العمل الفني: خلود في الذاكرة السينمائية
يظل أبطال فيلم “البريء” رموزاً خالدة في تاريخ السينما المصرية، وقد تركوا إرثاً فنياً لا يمحى، حتى وإن كانت أخبارهم الفنية لم تعد حديثة بالمعنى الحرفي للكلمة نظراً لوفاة أغلبهم. “البريء” كان محطة فارقة في مسيرة كل من شارك فيه، وأكد على موهبتهم الاستثنائية وتأثيرهم الفني.
أحمد زكي
الأسطورة أحمد زكي، الذي رحل عن عالمنا عام 2005، لا يزال يُعتبر أيقونة التمثيل في مصر والعالم العربي. دوره في “البريء” كان تتويجاً لمسيرة فنية حافلة بالأدوار المركبة والصعبة التي قدمها بعبقرية لا مثيل لها. بعد “البريء” وحتى وفاته، واصل زكي تقديم أعمال سينمائية وتلفزيونية مخلدة مثل “زوجة رجل مهم”، “أيام السادات”، و”الهروب”، وكلها عززت مكانته كنجم لا يتكرر. إرثه الفني يدرس في الأكاديميات ويُلهم الأجيال الجديدة من الممثلين.
محمود عبد العزيز
النجم الساحر محمود عبد العزيز، الذي توفي عام 2016، قدم في “البريء” واحداً من أدواره المؤثرة التي أظهرت جانباً آخر من قدراته التمثيلية بعيداً عن الكوميديا التي اشتهر بها. مسيرته بعد “البريء” شهدت تألقاً كبيراً في أدوار درامية معقدة، أبرزها دوره في مسلسل “رأفت الهجان” الذي أصبح أيقونة في الدراما العربية. تظل أعماله، ومنها “البريء”، دليلاً على موهبته الفذة وتنوعه الفني.
صلاح قابيل وباقي النجوم
الفنان القدير صلاح قابيل، الذي توفي عام 1992، كان جزءاً لا يتجزأ من نجاح “البريء” بأدائه المميز لدور الضابط الشرير. استمر في تقديم أدوار قوية في السينما والتلفزيون حتى وفاته، تاركاً خلفه رصيداً فنياً كبيراً. أما المخرج عاطف الطيب، الذي رحل عام 1995، فـ”البريء” يظل أحد أبرز أعماله التي تجسد رؤيته السينمائية الثاقبة. والكاتب الكبير وحيد حامد، الذي توفي عام 2021، استمر في إثراء السينما والتلفزيون المصرية بأعماله الجريئة والهادفة لعقود، وكانت “البريء” إحدى أولى بصماته القوية التي مهدت لمسيرة حافلة بالإنجازات. هذا الفيلم هو شهادة حية على عبقرية كل هؤلاء الفناين وتأثيرهم الدائم في المشهد الفني.
لماذا يبقى فيلم البريء تحفة سينمائية خالدة؟
في الختام، يظل فيلم “البريء” علامة فارقة في السينما المصرية والعربية، ليس فقط لجودته الفنية العالية، بل لقدرته على طرح قضايا سياسية واجتماعية حساسة بجرأة نادرة. الفيلم يمثل صرخة فنية ضد القمع والتضليل، ويذكرنا بأهمية التفكير النقدي وقوة الضمير. أداء أحمد زكي ومحمود عبد العزيز الخالد، وإخراج عاطف الطيب المتميز، وسيناريو وحيد حامد العبقري، كلها عناصر تضافرت لإنتاج عمل سينمائي متكامل لا يزال يتردد صداه حتى اليوم. إنه ليس مجرد قصة عن الظلم، بل هو دعوة للتأمل في قيم العدالة والحرية والكرامة الإنسانية، مما يجعله خالداً في الذاكرة الجمعية ومحفزاً للنقاش في كل زمان ومكان.