فيلم ريش
التفاصيل
"فيلم ريش" (Feathers)، إخراج عمر الزهيري، يمثل عملاً سينمائياً مصرياً فريداً من نوعه، وقد حظي باهتمام دولي واسع. يقدم الفيلم رؤية نقدية عميقة للمجتمع المصري من خلال قصة سريالية تجمع بين الدراما القاسية والكوميديا السوداء. تدور أحداث الفيلم حول أب محافظ ومعيل للعائلة يتحول بشكل غير متوقع إلى دجاجة، لتجد زوجته، التي عاشت طوال حياتها في ظله، نفسها أمام تحدي غير مسبوق لإعالة أطفالها والحفاظ على كرامة الأسرة في مواجهة الفقر والتحديات الاجتماعية. هذه اللحظة الغريبة هي نقطة التحول التي تدفع الشخصيات نحو رحلة اكتشاف الذات والبقاء في ظل الظروف القاسية.
نظرة عامة على "فيلم ريش": تحفة سريالية تتحدى الواقع
يعد "فيلم ريش" من الأعمال السينمائية التي تترك أثراً عميقاً في وجدان المشاهد، ليس فقط لفرادته في السرد البصري والمضمون، بل لقدرته على إثارة التساؤلات حول طبيعة الحياة الأسرية والاجتماعية في سياق يغلب عليه الطابع الأبوي. الفيلم يكسر القوالب التقليدية للسينما المصرية، مقدماً قصة تتجاوز المألوف لتلامس جوهر الصراعات الإنسانية في بيئة مليئة بالتناقضات. من خلال هذا العمل، يسلط المخرج الضوء على قضايا مثل الفقر، والبطالة، وتمكين المرأة، وذلك بأسلوب غير مباشر، يدعو المشاهد إلى التأمل والتفكير.
الفيلم، الذي حصد جوائز مرموقة عالمياً، يجسد ببراعة التحول الدرامي والنفسي لشخصياته. الزوجة، التي كانت تعيش حياة هامشية وغير مرئية تقريباً، تجد نفسها فجأة مضطرة لتحمل مسؤولية عائلة كاملة. هذا التحول ليس مادياً فحسب، بل هو أيضاً تحول داخلي يعكس صراعها من أجل الوجود والكرامة. الفيلم لا يخشى مواجهة الجوانب المظلمة للواقع، بل يستغل السريالية كأداة لتسليط الضوء على هذه الجوانب بطريقة صادمة ومثيرة للتفكير.
قصة الفيلم: رحلة مؤثرة في الواقعية بلمسة سريالية
تبدأ أحداث الفيلم في حفل عيد ميلاد ابن العائلة، حيث يقوم الساحر، في محاولة لإبهار الحاضرين، بتحويل الأب المستبد إلى دجاجة. هذا التحول المفاجئ يقلب حياة العائلة رأساً على عقب. فبينما تحاول الأم والأطفال التعامل مع هذا الوضع الغريب، يغادر الساحر دون أن يتمكن من إعادة الأب إلى هيئته الأصلية، تاركاً العائلة في مأزق حقيقي. الفيلم يتتبع بعد ذلك كفاح الزوجة الأمية التي لم تغادر منزلها قط ولم تتخذ أي قرار بمفردها من قبل، في عالم مليء بالتحديات الاقتصادية والاجتماعية.
تضطر الزوجة إلى مواجهة العالم الخارجي لأول مرة، وتبدأ في البحث عن عمل، وتتلقى دروساً في القراءة والكتابة، وتتعلم كيف تتخذ قرارات مصيرية تخص مستقبل عائلتها. رحلتها هذه ليست سهلة، فهي تصطدم بالعديد من الصعاب، لكنها في الوقت نفسه تكتشف قوة داخلية لم تكن تعلم بوجودها من قبل. الدجاجة، الأب السابق، تصبح رمزاً ثقيلاً للعبء الذي ألقي على كاهلها، وشهادة صامتة على التغيرات الجذرية التي طرأت على دورها داخل الأسرة والمجتمع.
تفاصيل الإنتاج والإخراج: رؤية فنية جريئة
يعكس فيلم "ريش" رؤية المخرج عمر الزهيري الجريئة والمختلفة، حيث قدم عملاً فنياً يبتعد عن السائد في السينما المصرية. استغرق الزهيري سنوات لإتمام الفيلم، الذي يعتبر مشروعه الأول الطويل، مما يدل على اهتمامه بالتفاصيل وعزمه على تقديم عمل ذي جودة فنية عالية. الفيلم إنتاج مشترك بين مصر وفرنسا وهولندا واليونان، مما ساعد على توفير الدعم المالي والفني اللازمين لخروج العمل بهذا الشكل المتميز. التصوير السينمائي للمصور كمال سمان يعزز الأجواء السريالية والواقعية في آن واحد، ويبرز جماليات الفقر والتفاصيل اليومية للحياة في المناطق المهمشة.
اختيار الممثلين، خاصة دميانا نصار في دور الزوجة، كان حاسماً لنجاح الفيلم. فدميانا، التي لم تكن ممثلة محترفة، جسدت الدور بصدق وعفوية غير عادية، مما أضفى على الشخصية عمقاً وواقعية مذهلة. إخراج الزهيري يتميز بالهدوء والبطء المدروس، مما يسمح للمشاهد بالانغماس في عالم الفيلم والتأمل في رموزه ورسائله الكوثرية. الفيلم لا يقدم إجابات جاهزة، بل يطرح أسئلة حول السلطة، والتحكم، ودور الفرد في مجتمع يهيمن عليه الذكور.
أبطال العمل الفني: وجوه جديدة وأداء مميز
الفيلم يراهن على مجموعة من الوجوه غير المعروفة أو التي لم تحصل على فرصتها الكاملة في البطولة، وهذا القرار أضاف للعمل مصداقية وعفوية نادرتين. بطلة الفيلم دميانا نصار، وهي سيدة مصرية عادية، تقدم أداءً مذهلاً يحبس الأنفاس، يجسد الصمت الذي يخفي وراءه قوة هائلة وإصراراً على البقاء. أداؤها الطبيعي والعفوي هو حجر الزاوية الذي يرتكز عليه الفيلم بأكمله، وقد لقيت إشادة واسعة من النقاد في المهرجانات الدولية.
إلى جانب دميانا نصار، يشارك في الفيلم سامي بسوني في دور الأب الذي يتحول إلى دجاجة، ومحمد عبد الهادي وفادي مينا فوزي في أدوار الأبناء، بالإضافة إلى أحمد عبد السلام. كل منهم يساهم في إضفاء طبقات من الواقعية والتعقيد على القصة. الكيمياء بين الممثلين، رغم بساطتها الظاهرية، تعكس عمق العلاقات الأسرية وتشابك الأدوار داخلها، مما يجعل التجربة السينمائية أكثر إنسانية وتأثيراً.
فريق عمل فيلم ريش:
الممثلون: دميانا نصار، سامي بسوني، محمد عبد الهادي، فادي مينا فوزي، أحمد عبد السلام.
الإخراج: عمر الزهيري.
الإنتاج: محمد حفظي (فيلم كلينك)، عمر الزهيري، جوسلين سابر، يوهاننس شميد، جولييت ديلور، فيودور بوبوف، جوليان مادون.
تقييمات عالمية ومحلية: صدى إيجابي ونقاشات حادة
آراء النقاد: إشادة بجرأة الطرح والتفرد
حصد "فيلم ريش" إشادات واسعة من النقاد العالميين والمحليين على حد سواء، خاصة بعد عرضه الأول في أسبوع النقاد بمهرجان كان السينمائي الدولي عام 2021، حيث فاز بالجائزة الكبرى. وصف النقاد الفيلم بأنه "تحفة سريالية" و"كوميديا سوداء ذكية" تتناول قضايا اجتماعية بأسلوب غير تقليدي. تميزت آراء النقاد بالإشارة إلى جرأة الفيلم في طرح قضايا الفقر، والبطالة، والسلطة الأبوية في المجتمع المصري، وتقديمه نظرة فريدة ومؤثرة على حياة الطبقات المهمشة.
أشاد الكثيرون بأداء دميانا نصار، معتبرينها "اكتشافاً سينمائياً" لقدرتها على تجسيد مشاعر القهر والصمت ثم المقاومة والصمود ببساطة وعمق. كما أثنى النقاد على إخراج عمر الزهيري الهادئ والمؤثر، وقدرته على خلق عالم سينمائي خاص به، يجمع بين الواقعية القاسية والفانتازيا اللاذعة. رأى البعض أن الفيلم يحمل رسائل عالمية تتجاوز الحدود الجغرافية، مما جعله محط اهتمام في المهرجانات الدولية.
ردود فعل الجمهور: بين الإعجاب والجدل
على الرغم من الإشادات النقدية، تباينت ردود فعل الجمهور حول "فيلم ريش". فقد وجد جزء كبير من الجمهور، خاصة في مصر، صعوبة في تقبل الطابع السريالي للفيلم وقسوته في تصوير الواقع. أثار الفيلم جدلاً واسعاً حول صورته لمصر والفقر فيها، واتُهم البعض الفيلم بـ"تشويه" صورة البلاد، وهي اتهامات رفضها صناع العمل مؤكدين أن الفيلم يعكس واقعاً ملموساً لجزء من المجتمع ولا يهدف للتشويه.
في المقابل، لقى الفيلم استحساناً كبيراً لدى جمهور المهرجانات السينمائية العالمية وبعض شرائح الجمهور المثقف، الذين قدروا عمقه الفني والفلسفي وجرأته في كسر التابوهات. رأوا فيه عملاً فنياً أصيلاً يفتح باب النقاش حول قضايا مهمة بطريقة مبتكرة. هذه التباينات في ردود الفعل تعكس قدرة الفيلم على إثارة النقاشات الهادفة، وهي سمة مميزة للأعمال الفنية القوية والمؤثرة.
جوائز وتكريمات: اعتراف عالمي بتميز "ريش"
تلقى "فيلم ريش" اعترافاً دولياً واسعاً من خلال العديد من الجوائز المرموقة. أبرزها الجائزة الكبرى لأسبوع النقاد في مهرجان كان السينمائي عام 2021، والتي تعد إنجازاً كبيراً لفيلم مصري أول لمخرجه. كما فاز الفيلم بجائزة "النجمة الذهبية" لأفضل فيلم عربي روائي طويل في مهرجان الجونة السينمائي عام 2021، وهي جائزة تعكس التقدير المحلي والإقليمي للفيلم.
لم تقتصر جوائز الفيلم على ذلك، بل شارك في العديد من المهرجانات الدولية الأخرى وحصد تقديراً كبيراً، مما يؤكد جودته الفنية وقدرته على التواصل مع جماهير من خلفيات ثقافية مختلفة. هذه الجوائز لم ترفع من شأن الفيلم فحسب، بل ساهمت أيضاً في تسليط الضوء على المواهب السينمائية المصرية الشابة ورؤاها الجديدة التي تستحق الدعم والاهتمام.
أخر أخبار أبطال العمل الفني: استمرارية العطاء والإبداع
بعد النجاح الكبير الذي حققه فيلم "ريش" وعرضه في المحافل الدولية، استمر أبطال العمل في مسيراتهم الفنية. دميانا نصار، التي أصبحت وجهاً معروفاً بعد دورها المميز، لم تشارك في أعمال فنية أخرى بعد "ريش" بنفس الزخم، ربما لكونها لم تكن ممثلة بالأساس وقد اختارها المخرج لدورها تحديداً لصدقها وعفويتها، مما يضيف إلى تميز التجربة الفنية الفريدة لـ"ريش".
أما المخرج عمر الزهيري، فقد أثبت نفسه كمخرج ذي رؤية فنية مستقلة وجريئة. بعد "ريش"، يتوقع الجمهور والنقاد بشغف مشاريعه القادمة، والتي من المرجح أن تحمل نفس الطابع التجريبي والعمق الفلسفي. الفيلم فتح له آفاقاً واسعة في عالم السينما العالمية، ومن المؤكد أنه سيستمر في تقديم أعمال تثير النقاش وتتحدى المألوف، مما يثري المشهد السينمائي العربي والعالمي بأفكار جديدة ومختلفة.
خاتمة: فيلم يثير النقاش والتأمل
فيلم "ريش" هو أكثر من مجرد قصة عن تحول غريب؛ إنه مرآة تعكس جوانب من الواقع الاجتماعي والاقتصادي في مصر، مع لمسة سريالية تجعله مميزاً. العمل يدعو إلى التفكير في أدوار الجنسين، والفقر، والقدرة على الصمود في وجه التحديات. بفضل إخراجه المتقن، وأداء ممثليه الصادق، ورسالته العميقة، يبقى "فيلم ريش" واحداً من أبرز الأفلام المصرية في السنوات الأخيرة، ويستحق المشاهدة والتأمل. إنه يثبت أن السينما يمكن أن تكون وسيلة قوية ليس فقط للترفيه، بل لإثارة الوعي وتحفيز النقاش حول قضايا مجتمعية هامة.
